إغتنام-أيام-العشر من ذي الحجة
العنوان | اغتنام أيام العشر |
العناصر | 1/السعيد والموفَّق من اغتنم أيام العشر 2/أفضلية العمل الصالح في عشر ذي الحجة 3/العمل الصالح في عشر ذي الحجة يعم جميع الأعمال الصالحات 4/أنواع التكبير وصيغته 5/بعض أحكام الأضحية |
الشيخ | د. حسين بن عبد العزيز آل الشيخ |
عدد الصفحات | 8 |
الحمد لله الذي شرَع لنا مواسمَ لزيادة الحسنات، وأشهد ألَّا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، ربُّ الأرض والسموات، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه أفضلُ المخلوقاتِ، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِكْ عليه وعلى آله وأصحابه، أهلِ الفضلِ والْمَكْرُماتِ.
أما بعدُ: فيا أيُّها المسلمون: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -جل وعلا-؛ فهي خير الزاد ليوم المعاد.
أيها المسلمون: من المواسم الفاضلة أيام العشر الأُولَى من شهر ذي الحجة، الموفَّق والسعيد مَنْ بَادَرَ فيها بالمسابَقة إلى أنواع الطاعات، والأعمال الصالحات، قال تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ)[الْحَجِّ: 28]، وهي أيام العشر، كما قاله غيرُ واحد من الصحابة -رضي الله عنهم-، وقد أقسَم اللهُ بها؛ مما يدلُّ على عظيم فضلها وشرفها، قال جلَّ وعلا: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ)[الْفَجْرِ: 1-2]، والليالي العشر هي عشر ذي الحجة، كما هو مذهَب جمهور المفسِّرين من السلف.
فيا مَنْ يبتغي الفَلاحَ ويَنشُدُ الخيرَ والصلاحَ: تَاجِرْ مع ربِّكَ، تَاجِرْ مع ربِّكَ بالأعمال الصالحة، لا تفوِّت هذه الأيامَ الشريفةَ، بل انتهِزْها وبادِرْ فيها بالخيرات، وإلى ما فيه عظيم الأجر وجزيل الفضل، عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ؛ -وفي رواية: أَفْضَلُ-؛ يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، ثُمّ لَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ”(رواه البخاري، واللفظ لأبي داود والترمذي)؛ فهي -يا عبادَ اللهِ- فرصةٌ لا تُعوَّض، فاغتنِمْها -أيها المسلمُ-، تقرُّبًا إلى مولاك، زيادةً في حسناتك، وتكفيرًا عن سيئاتك، في (مسند الإمام أحمد، بسند حسَن)، عن ابن عمر -رضي الله عنهما-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “ما مِنْ أيامٍ أعظمَ ولا أحبَّ إليه العملُ فيهن عندَ اللهِ من هذه الأيام العشر، فأكثِرُوا فيهنَّ من التهليل والتكبير والتحميد”.
وروى جابر -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “أفضلُ أيامِ الدنيا أيامُ العشرِ”، وقد قال الذهبي: “إسنادُه حسنٌ”؛ ولهذا كان سلف هذه الأمة يجتهدون فيها أشدَّ الاجتهاد؛ لِعِلْمِهم بفضلها وشرفها، قال أبو عثمان النهدي -رحمه الله-: “كانوا يعظِّمون العشرَ الأخيرَ من رمضان، والعشرَ الأَوَّلَ من ذي الحجة، والعشرَ الأَوَّلَ من محرَّم”، وفي البخاري ذكَر عن ابن عمر وأبي هريرة -رضي الله عنهما- أنهما كانا يَخرُجان إلى السوق، في أيام العشر ويكبِّران، ويكبر الناس بتكبيرهما، يقول ميمون بن مهران، وهو من التابعينَ: “أَدْرَكْنَا الناسَ وإنهم لَيُكَبِّرُونَ في العَشْرِ، حتى إني لَأُشَبِّهُهُ بالأمواجِ مِنْ كثرتِه”.
إخوة الإسلام: العمل الصالح الوارد في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يقتصر على نوعٍ ما، وإنما هو اسمٌ عامٌّ لكل قُرْبةٍ وردت في النصوص الشرعية، ومنها الأعمال البدنية؛ كالصلاة والصيام والحج والأضحية وقراءة القرآن، والإكثار من الذِّكْر والصلاة على النبي -عليه أفضل الصلاة والسلام-، إلى نحو ذلك، وتشمل أيضا الأعمالَ الصالحةَ المتعدِّي نفعُها إلى المسلمين؛ كالصدقة والإحسان إلى الناس، وقضاء حوائجهم، وإدخال السرور عليهم، وإعانتهم، والتيسير على مُعسِرِهم، وقد يكون العمل المتعدِّي -كما في القاعدة- أفضلَ من العمل القاصر.
وممَّا ورَد فيه الدليلُ الأكيدُ في هذه العشر استحبابُ صيامها، والإكثارُ من الذِّكْر فيها، قال العلماء: “التكبير في هذه العشر نوعان: مُطلَق وهو في جميع العشر، ويُلحَق بها أيامُ التشريقِ، ويكون ذلك المطلَق في جميع الأوقات والأماكن، ممَّا يجوز فيه ذكرُ الله -جل وعلا-، يَجهَر به ويرفَع به صوتَه، الثاني: المقيَّد؛ بأدبار الصلوات المكتوبة، ويبدأ من فجر يوم عرفة، لغير الحاجِّ، وللحاجِّ من الظُّهْر من يوم النحر، وينتهي بعد عصر ثالث أيام التشريق”، كلُّ ذلك وارد عن الصحابة -رضي الله عنهم-، وعن غيرهم مِنَ التابعينَ، بآثارٍ كثيرةٍ، وصيغةُ التكبيرِ الغالبةُ: “الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد”.
أقول هذا القولَ، وأستغفر اللهَ لي ولكم، ولسائر المسلمين، من كل ذنب، فاستغفِروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله وحدَه، وأشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابه.
أما بعد: فيا أيها المسلمون: ممَّا يُشرَع في هذه العشر في يوم النحر وما بعدَه من وقت النحر، الأضحية، وإذا حلَّ هلالُ ذي الحجة وأراد الإنسان أن يضحي فعليه أن يجتنبَ الأخذَ من أظفاره أو شَعْرِه، حتى يضحي، في حديث أم سلمة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “إذا رأيتُم هلالَ ذي الحجة وأراد أحدُكم أن يضحيَ فَلْيُمْسِكْ عن شَعْرِه وأظفاره”(رواه مسلم وغيره).
وأظهرُ الأقوالِ في النهي أنه للتحريم، ولكن هذا خاصٌّ بمن يُضَحِّي لا بمَنْ يُضَحَّى عنه، من الأهل ونحوهم.
ثم إنَّ من أفضل الأعمال وأزكاها عند ربنا الصلاةَ والسلامَ، والإكثارَ من ذلك، على النبي -صلى الله عليه وسلم-، اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا ورسولنا محمد، ما دارت الأفلاكُ والأجرامُ، وما تتابعت السنواتُ والأيامُ، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه، ما تعاقَب ليلٌ ونهارٌ، اللهم ارضَ عن الصحابةِ أجمعينَ، وعن التابعينَ، ومَنْ تَبِعَهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم اغفر لنا وللمسلمين، الأحياء منهم والميتينَ، اللهم اغفر لنا وللمسلمين، الأحياء منهم والميتينَ، اللهم ارحمنا برحمتك، اللهم اشملنا جميعًا برحمتك، اللهم ارحمنا رحمةً تُغنِينا بها عمَّن سواكَ، اللهم فرِّج همومَنا وهمومَ المسلمين، ونفِّس كرباتِنا وكرباتِ المسلمين، اللهم ارفع عنَّا البلاءَ والوباءَ يا ذا الجلال والإكرام، اللهم نفِّس عنَّا ما نحن فيه يا ذا الجلال والإكرام، اللهم ارفع عنا الوبا، اللهم ارفع عنا الوبا، اللهم ارفع عنا الوبا، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم.
اللهم وفِّق خادمَ الحرمينِ الشريفينِ، ونائبَه لِمَا تحبه وترضاه، اللهم وفِّق جميعَ ولاة أمور المسلمين لِمَا فيه خدمةُ رعاياهم، اللهم احقِن دماءَ المسلمينَ، اللهم احقن دماءهم، وصُنْ أعراضَهم، واحفظ أموالَهم يا حيُّ يا قيومُ، اللهم اجمع كلمتَهم على الحق، اللهم اجمع كلمتَهم على الحق، اللهم إنَّا نعوذ بك من زوال نعمتِكَ، وتحوُّل عافيتِكَ، وفُجاءةِ نِقمَتِكَ، وجميعِ سَخَطِكَ.
اللهم إنَّا نعوذ بكَ من جَهْد البلاء، ومِنْ دَرَكِ الشقاءِ، ومِنْ سُوءِ القضاء، ومِنْ شماتةِ الأعداءِ.
وآخِرُ دعوانا أن الحمدُ للهِ ربِّ العالَمينَ.