العملُ والبذلُ في الزمن الصعب
العملُ والبذلُ في الزمن الصعب |
مصعب بن خالد المرزوقي |
بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيميقولون : ( إذا أقبلت العاصفة فاخفض رأسك حتى تخلّفها خلفك أو تخلّفك خلفها ! ) .
لعل أيامنا هذه وما سنقبل عليه سيكون لها حظها من عاصفة .. أعتقد والله أعلم أن خفض الرأس لا يعني وقف العمل، بل إن الشدائد إذا وقعت صاحبها الخللُ، وتخلّف البعض، ولم يستطع آخرون أن يصمدوا، وكُف أفراد قسراً ..، والواجبات باقية، بل إن ثغوراً كثيرة تصبح مكشوفة، نعلق أعمالنا بالنتائج في مشاريعنا، وهو أمر حسن، لكن إدمان هذا واستصحابه يوقعنا في خلل تجاه الحركة والبذل، بل إن من المصائب أن ترتبط قرارات العمل كلها بالنتائج! عندما تريد أن تطعم محتاجاً، هل يأتي بخلدك: وماذا ستنفعه هذه اللقمة؟! فإنه إن لم يجع الآن جاع بعد انقضاء هذا الطعام الذي سأعطيه؛ فلماذا إذاً؟! لا بد أن يعمل العاملون، وخاصة إذا اشتد الأمر؛ لأنهم مطالبون بالعمل، ولأنه بالعمل تكون المدافعة، بل وبها يتنزل النصر، ومن جميل الفقه الذي لا ينقضي منه العجب كلمة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ” النية الخالصة والهمة الصادقة ينصر اللهُ بها، وإن لم يقع الفعل، وإن تباعدت الديار! ” إذا نزلت الشدائد يظهر تقاعسٌ وتخاذلٌ، وتصاب الأمة في أبواب شتى، لكن من أخطر ما تصاب به هو: “فقد بوصلة الأولويات، واختفاء القدوات والمقدَّمين الذين يسلكون ويوجهون العاملين للعمل الأوجب والأهم”. الأمة بحاجة بل في ضرورة إلى طاقات جميع أبنائها، فالعمل العمل، بحسب المستطاع، وما نُصرت الأمة في تاريخها بكثرتها، ولا بذكاء أبنائها، ولا بعتادها، ولا بشيء سوى ميزان الإيمان الصادق الذي يدعو للعمل، وببذل السبب وفق القدرة، وعندها يتنزل النصر، ونكون أمة قد تحقق فيها شرط قيادة الأمم وتطويعها لعبادة ربها. الشدائد تستحث الأحرار وأصحاب الهمم لمضاعفة الجهد، يشعرون بالتبعة والأمانة وثقلها، فيبذلون ويعملون، ولا ينقطعون، فالفراغ كبير، وما أغلق العبادُ باباً إلا وفتح الله الأبواب .. ومما يسلي ومن المقرر : أن أجر العامل في وقت غفلة الناس أعظم، ودونكم استنباط دقيق للإمام ابن رجب رحمه الله، أنقله بطوله، قال رحمه الله: ( تستحب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، وذلك محبوب لله عز وجل، كما كان طائفة من السلف يستحبون إحياء ما بين العشاءين بالصلاة، ويقولون: “هي ساعة غفلة”. فكيف بالباذل والعامل في وقت الشدائد وضيق الفرص؟! “والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون” ؛ اللهم سخر لنا من فضلك، واستعملنا في أحب الأعمال إليك وأصلحها وأنفعها إلينا ومنا .. مصعب بن خالد المرزوقي |